ان الخلل في الدورة الاقتصادية أثر سلبا على القيم الاجتماعية، قيم الإيثار والتضحية بالمصلحة الشخصية من أجل الآخرين صونا لكرامة الإنسان ولأدميته، وأضحت مكانها قيم المكر، والخديعة، والحذر من الآخر، هي القيم السائدة والصالحة للصراع، من أجل البقاء.
والعنف المدرسي كذلك امتداد للعنف الأسري الذي يذهب ضحيته التلميذ، بسبب الخصومات اليومية بين والديه والتي يتمخض عنه التفكك الأسري والطلاق، وهو أمر يمكن أن يغذي لديه نزوعا نحو الهروب من المواجهة، وتحدي المشكلات التي تعترض سبيله، بما يعنيه ذلك من خوف دائم من المجهول، والحذر من الآخر ومما قد يأتي منه. وقد يغذي لديه بالمقابل، نزوعا نحو العدوان على الآخرين، كتعويض على اللامبالاة التي يواجهه بها محيطه الأسري، وإحساسه بالنقص إزاء أقرانه، ممن يلقون دعما عاطفيا من طرف والديه، ومساندة مادية لحاجياته.
وهو كذلك امتداد للعنف الإعلامي الذي تبثه وسائل الإعلام يوميا، دون أية مراقبة للأسرة للبرامج التي يقبل أفرادها على مشاهدتها، وقياس مدى ملاءمة ذلك لتكوينهم الذهني والسيكولوجي وبيئتهم القيمية المحيطة، فمشاهد الحرب والصراعات التي تبثها القنوات الأرضية والفضائية، والأفلام والمسلسلات التي تتخذ من العنف توابل معطرة لإثارة شهية المتفرج، كما هو الحال في الثالوث السينمائي الهوليودي( العنف والجنس والثأر) تزيد أصلا من جرعة العنف التي يكتنفها جسده، وتزيد عن القدر الذي يمكن له أن يحتمله، إذا لم تكن هناك فضاءات تفسح له المجال لتفريغ هذه الشحنة العنفية المدمرة، وتوجيه قدراته الحيوية نحو أنشطة إبداعية وبناءة، وهي فضاءات للأسف تفتقدها مجموعة من الأحياء الشعبية، كدور الشباب، والملاعب الرياضية، والمركبات الثقافية، مما يغذي السلوك البديل، سلوك العنف والانحراف.
وهذه الفضاءات نفسها، خاصة المكتبات، والملاعب الرياضية، وقاعات للأنشطة الموازية، التثقيفية والترفيهية، ومحترفات للرسم والتشكيل والأشغال اليدوية، لا توفرها إلا قلة من المؤسسات التعليمية الابتدائية، والثانوية الإعدادية، والثانوية التأهيلية، مما يفيد أن البنية المدرسية هي ذاتها تعاني من خلل على مستوى استثمار قدرات الفاعلين فيها، وتوجيهها نحو الانفتاح على الذات وعلى الآخر، وعلى المحيط السوسيو- اقتصادي لبناء المجتمع وتنميته.
هذه الامتدادات هي نفسها روافد تغذي العنف بالمؤسسات التعليمية، وإذا أضفنا إليها مشكلة الاكتظاظ بالفصول الدراسية،والمقررات الدراسية الطويلة، وغياب مجالس للإنصات يتحمل فيها مختصون في السيكولوجيا والسوسيولوجيا مسئولية البث في المشاكل التي تعترض السير العادي لعملية التفاعل مع الخطابالبيداغوجي المدرسي، فإن مشكلة العنف يمكن أن تتطور إلى ما لا نتوقعه.