اهتم الإسلام وعني بتربية الفرد والمجتمع , على الأخلاق الفاضلة الكريمة , والمبادئ السامية الشريفة , فلقد كان إمام المرسلين , محمد بن عبدالله , عليه الصلاة والسلام , يربى الأمة على ذلك , قولا ًوعملا ًوقدوة ً, وهو الذي يقول عنه ربه {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم ـ 4) , وهو القائل فيما صح عنه عليه الصلاة والسلام (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) فأمة الإسلام , هي أمة الخلق ِوالأخلاق , والفضيلة والفضائل .
* ـ إنه منذ بداية عصر النبوة , وصدر الإسلام الأول , عهد النبي صلى الله علية وسلم وصحبة الكرام , كان الرجل يأتي يطلب النبي صلى الله علية وسلم تطهيره من خطيئته , بل وتأتي المرأة يدفعها إيمانها , وتوبتها الصادقة , تطلب تطهيرها من خطيئتها , تقول : إني حبلى من الزنا , فيرجمها النبي صلى الله عليه وسلم , ثم يصلى عليها , وليعجب الصحابة الكرام ! من صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم عليها , فيخبرهم أنها تابت توبة , لو وزعت على سبعين رجل من أهل المدينة لكفتهم .
وفي عهد التابعين , الذين كانوا على أخلاق عالية , وصفات حميدة , يندر بها الزمان , وتعجز عنها الرحال , ممثلة ًبتلاميذ الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم , لتتابع القرون , وتتعاقب الأجيال , ليأتي زماننا هذا , والذي لا يزال فيه بقية خير ولله الحمد والمنة , ولكن , ثمة أمور ظهرت , وأمراض فشت , ومخاز ٍ انتشرت , نخشى أن تأتي على أخلاق هذا المجتمع المسلم , ألا وهي مهنه وحرفه , عمد على احترافها , ثلة من الشباب والشابات , ظهرت منذ زمن , فلم تول اهتماما ًكبيراً , فولدت قضية عظمى , وطامة كبرى , ورزية تعجز الأقلام عن وصفها , والألسنُ عن التحذير فيها , ألا وهي ظاهرة الإركاب والمعاكسات .
ومما لا شك فيه , أن لكل ظاهرة أسباب , ومن الأسباب لهذه الظاهرة , ضعف الإيمان بالله , وعدم الشعور بمراقبة الله , فبعض هؤلاء لم يحاولوا في وقت من الأوقات , أخذ كتاب الله وقراءته , أو حفظ بعض الآيات القرآنية , أو معرفة تفسير بعض الآيات والسور , إنهم لم يفكروا بقراءة ٍ في سير الأصحاب , ولكنهم عكفوا ليتفقهوا في قصص الحب والغرام , وحفظ نصوص الغزل والغرام , واستظهار المجلات الهابطة التي تهدم البيوت والأخلاق , ولكأنما هي سنة ٌوأحكام , وجّر هذا , الفراغ الذي يعيشه كثير من الشباب والشابات , أتى بكثير من الويلات .
* ـ ومن الأسباب :
سوء التربية في المنزل , وهذا له أثر كبير , فغياب الأب طويلا عن البيت, وإهمال الأم لبناتها , أودى بكثير من الأولاد إلى الانحراف , ناهيك عما يقوم به الوالدان من جلب ٍ لكثير من الشرور والآثام إلى البيت , حتى أدمن بعض من الشيوخ والعجائز , بل وكثير من الفتيان والفتيات , مشاهدة المسلسلات , بل وصل الأمر بالأمر بالهدوء والإنصات , عند سماع الأغنيات , ومشاهدة الأفلام المخزيات .
* ـ ومن الأسباب :
إهمال كثير من أولياء الأمور , تزويج بناتهم , وتركهن سجينات في البيوت , حبيسات الهموم ِوالغموم , كم من التلميحات لمحتها لك ابنتك , كم من النداءات نادتك بها زوجتك , ولكنك غافل عنها , متناس ٍلها , مشغولٌ بوظيفتك , مهمومٌ بتجارتك, إنها تأن أنين الكسير , تتأوه تأوه الجريح , نعم , لقد عنست بعض بنات المسلمين , وبلغن الخمسة والعشرين , بل والأربعين , وهن يسرن نحو الخمسين , أهذا ياعباد الله من الأمانة , أم من الإهمال والخيانة , أينكم عن الذين يبحثون لبناتهم عن الأكفاء , ويعرضون عليهم الزواج , فعمر رضي الله عنه فعل ذلك , وابن المسيّب اقتدى بذلك , فيا لله العجب , من آباءٍ وأولياء , يتاجرون بوظائف بناتهم , ويرفعون أرصدتهم , على حساب فلذات أكبادهم , كم من الصيحات أطلقتها بعضهن , عبر الصحف والمجلات , عبر الهواتف والحاسوبات , يقلن : أنقذونا من آباءٍ منعونا حقوقنا .
وهذه قصة ُإمرأة عانس , عصفت بها الهموم , ونزلت بها الغموم , حتى سقطت مريضة , فلما حضرتها الوفاة , وتحلقت الأسرة بها , قالت لأبيها وهو عند رأسها , قل : يا أبتي آمين , قال : آمين , قالت : قل آمين , قال : آمين , قالت : قل آمين , قال : آمين , قالت : حرمك الله الجنة كما حرمتني الزواج .
* ـ ومن الأسباب :
كثرة خروج المرأة من المنزل لغير حاجة , فتخرج إلى السوق , كلما سمعت ببضاعة جديدة , أو تعجز أن تصبر نفسها عن معاينه المحلات , تخرج كثير منهن كاسية ٌ عارية , مائلة ٌ مُميلة , ترتدي الثوب القصير , وتلبس الكعب الطويل , وتفوح منها الرائحة الزكية الجميلة , مما أدى ببعض الشباب لمطاردتهن وملاحقتهن , وتصويب النظر إليهن , ترى ذلك الذئب في السوق , جعل همه مظهره , وجاء يؤذي نساء المسلمين , بشتى أساليبه السافلة , مطلقا ًالعنان لبصره , يلتهم محاسن النساء , تُسَيرهُ شهوته , وتسيطر عليه نزوته , همه فريسته , غير مبال بعظم عقوبته وشناعة جريمته , كم من رسائل الحب , يكتبها الخراصون الكذابون , يؤججونها بالحب والغرام , والعواطف والحنان , وكذبوا إنما هي أكاذيب وأوهام , وحبالٌ وشراك , من أجل القضاء على العفة والأخلاق .
* ـ ومن الأسباب :
سماعة الهاتف , وأعظمه النقال الجوال , هو من أعظم المداخل على الفتاة , ولقد استطاع بعض ضعاف النفوس , قليلي الحياء والإيمان , ممن لا خُلق لهم ولا أخلاق , الدخول على الفتاة من خلال هذا الهاتف عبر المكالمات , على حين غفلة من الآباء والأمهات , ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد , بل ضربت المواعيد مع هؤلاء العابثين المفسدين , على أمل الخطبة والزواج .
* ـ فيا أيتها الفتاة :
أعتبري بغيرك قبل أن يعتبر بك , فالسعيد من وعظ بغيره , والشقي من وعظ بنفسه , أما سمعتِ عن قصص تلك المغامرات , ممن سقطن في الحظيظ , بسبب تلك المعاكسات .
أما آن لك أيتها الفتاة , أن تتوبي إلى ربك , وتعودي إلى رشدكِ , وتستيقظي من سباتك , وتغلقي الشر عنك , وتحفظي شرفك , وشرف أهلك , تذكري , أن الفتاة الأمينة ثمينة , فإذا خانت هانت , وتذكري سلفك عائشة وحفصة , وفاطمة وسمية , وغيرهن , ممن وقفن كالجبال الراسيات , في وجه الإغراء والرذيلة , كم من فتاة عضت أصابعها ندماً , يوم أن سلبت منها عفتها , وذهبت كرامتها .
* ـ معاشر المسلمين :
هذه الظاهرة وأسبابها وآثارها ونتائجها صورها أحد الشعراء فقال :
ـ فيا فتاة الإسلام , وحارسة الحصون , ومحضن أجيال المستقبل , ومدرسة هذه الأجيال , إغلقي باب كل فتنة, وسدي باب كل شبهه.
● ـ وهذه رسالتان موجهتان :
* ـ أما الأولى فألى الأبوين , حفظكما الله وبارك في جهودكما , لاتغفلان عن رعيتكما , أرشدوا من تحت أيديكم إلى أحسن الآداب , وحذروهم من طرق الفساد وحيل المفسدين , جنبوهم آلات اللهو المفسدة , التي يتعلمون منها كل رذيلة , صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (ما من عبدٍ يسترعيه الله رعية , ثم يموت وهو غاش لرعيته , إلا حرم الله عليه الجنة) .
واعلمي أيتها الأم , أنك أكثر مسئولية عن البنات , لكثرةٍ المكث معهن , فأنتِ ترين وتعلمين عن تصرفاتهن , مايخفى على الأب , فأخبريه بما ترين , وليكون لكِ نعم المعين بعد الله عز وجل .
* ـ أيها الآباء , اتقوا الله في بناتكم , واخشوا ربكم في أولادكم , أما سمعتم قصص المهملين , وأخبار المفرطين , جنوا الخزي والعار , وللآخره أشد وأبقى , ولعل أحدكم أن يقول , وما عسانا أن نفعل في هذا الزمن , الذي كثرت فيه المصائب والمحن , فنقول , كم من الشرور أدخلتها دويرتك , كم من الملاهي والمزامير , دمرت بها أخلاق أولادك , أخرجها قبل أن تأتي على أخلاقك , وتقضي ِعلى مستقبل أبنائك وبناتك , ثم أعمل بوصية نبيك محمد صلى الله عليه وسلم , وزوج أبنائك وبناتك , فالزواج طريق العفة والأمان , صح عنه صلى الله علي وسلم أنه قال : يا معشر الشباب , من أستطاع منكم الباءة فليتزوج , فإنه أغض للبصر , وأحصن للفرج , ومن لم يستطع فعلي بالصوم , فإنة له وجاء .
* ـ وأما الرسالة الثانية فإلى الشباب , أيها الشباب , الغيرة من شيم الرجال , ومن أخلاق النبلاء , ومن شعب الإيمان , فأين الغيرة بمن يرفع سماعة الهاتف , ليضايق الناس في أعراضهم , كم عكرت صفو الوداد في بيت , كم فرقت بين امرأة وزوجها , كم جعلت بنتا ًحبيسة الجدران في بيتها , بعد أن ذبحت عفتها , أينك من الغيرة على محارم الله , أينك من الغيرة على محارمك , اتق الله وأعلم , أنك حينما ترفع سماعة الهاتف , على بيت ٍمن البيوت , أنك قد تبلى بمئات يرفعون السماعة على بيتك , أما علمت أن نهاية الدنيا الوفاة , أتحب أن تلقى الله على هذه الحال , أما تخشى من عقوبة ِذلك , أما تخشى أن تصيبك دعوة مظلوم , ممن وقعت إحدى محارمه فريسة ًلك , وهو يرفع يديه في جوف الليل الأخير سائلا ً الله , أن يذيقك النكال الشديد , والعذاب الأليم , أما تخشى أن يستجيب الله دعوات الداعين , يامن أزعجتم المسلمين بطنين الهاتف والرنين تتبعون عورات المسلمين , أما علمتم أن من تتبع عورة أخيه , تتبع الله عورته , حتى ولو في جوف بيته أم تخشى أن تؤذي مريضا ًعلى فراش المرض والابتلاء , فيدعوا عليك بالمرض ِ والبلاء , أما تخشى أن تؤذي عابدا ًلله صالحا , مستغفرا ًلله مناجيا , فيرفع أكفه إلى السماء , فيدعوا عليك بالانتقام والابتلاء , أما تخشى أن يُسلط الله على عرضك , فيأخذ ُدين المسلمين منك , فإنه كما تدين تدان , ومن ضرب أبواب الناس , ضرب الناس بابه ولو بعد حين . .
* ـ اللهم أرنا الحق حقا ً وارزقنا إتباعه , والباطل باطلا وارزقنا إجتنابه , اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا وأصلح ذرياتنا