ـ أيها المسلمون، وليس شيء يقع إلا وله أسباب، ومعرفتنا بالأسباب والعوامل المؤدّية لفاحشة الزنا تضع أيدينا على الداء، والوقاية منها وسدّ الطرق الموصلة إليها يكمن فيها العلاج والدواء، والعاقل من وعى هذه الأسباب، وأبعد نفسه عن مخاطرها، وتأمّل طرق العلاج وألزم نفسه فيها.
* ـ وأول الأسباب المؤدية للزنا ضعف الإيمان واليقين؛ فإذا ضعف هذا العامل نسي المرء أو تناسى الوعد والوعيد، وأمن العقوبة، وتباعد الفضيحة، وقلّ في حسه ميزان الرقابة، وانحسر الخوف من الجليل.
* ـ السبب الثاني النظرة المحرمة؛ إذ هي سهم من سهام الشيطان، تنقل صاحبها إلى موارد الهلكة وإن لم يقصدها في البداية، ولهذا قال الله تعالى : قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النور:30، 31] .. وتأمل كيف ربط بين غض البصر وحفظ الفرج في الآيات، وكيف بدأ بالغض قبل حفظ الفرج؛ لأن البصر رائد القلب .. وفي السنة بيان لما أجمله القرآن في أثر النظرة الحرام، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله يقول: ((إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة؛ فالعينان تزنيان وزناهما النظر)) .. فاتقوا ـ يا عباد الله ـ زنا العينين، وكم نظرة محرّمة قادت إلى نظرات أخرى، وقادت النظرات إلى همسات، ثم إلى مواعيد، ثم إلى لقاء، ومعظم النار من مستصغر الشرر.
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها … فتك الســـــــــهام بلا قوس ولا وتر
والْمرء ـ ما دام ذا عين ـ يقلبها … فِي أعين الغيد موقوف على الخطر
يســـــــــــر مقلته ما ضر مهجته … لا مرحبا بسرور جاء بالضـــــــــرر
* ـ السبب الثالث من الأسباب الداعية للزنا كثرة خروج المرأة وتبرجها وتكسرهن في المشية وإلانتهن القول، فهذه وتلك فواتح للشر تُطمع الذي في قلبه مرض ، وقد نهى الله نساء المؤمنين عن ذلك كله حماية لأعراضهن وصونا لغيرهن عن مواطن الريَب، قال الله تعالى : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33]، ويقول تعالى مخاطبا نساء النبي وغيرهن من باب أولى: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا [الأحزاب:32].
إن مما يؤسف له أن تملأ نساء المسلمين الأسواق العامة، وأن تظهر المرأة بكامل زينتها، وأن ينزع الحياء منها، فتخاطب الأجانب وكأنما هم من محارمها، وربما ساءت الأحوال فكانت الممازحة والمداعبة، وتلك ـ وربي ـ من قواصم الظهر، ومن أسباب إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا.
* ـ السبب الرابع استقدام الخدم والسائقين، تلك المصيبة التي عمت وطمت، وامتلأت بها البيوت لحاجة ولغير حاجة، واعتاد الرجال على الدخول مع النساء المستخدمات وكأنهن من ذوات المحارم، وربما تطور الأمر عند الآخرين فجعلها تستقبل الزائرين وتقدم الخدمة للآخرين .. وليس أقل من ذلك إتاحة الفرصة للسائقين الأجانب بدخول البيوت دون رقيب .. إن أحداث الزمن وواقع الناس يشهد بكثير من الجرائم والفواحش من وراء استقدام السائقين والخدم، ولكن التقليد الأبله والثقة العمياء ربما حجبت الرؤية عند قوم وأصمت آذان آخرين.
* ـ السبب الخامس من الأسباب الداعية لفاحشة الزنا سماع الغناء والخنا والعكوف على مشاهدة المسلسلات الهابطة والنظر إلى الأفلام الخليعة، تلك التي تبثها وسائل الإعلام بمختلف قنواتها. إن هذه المشاهد المؤذية تروض البنين والبنات على الفحش، وتذهب عنهم ماء الحياء، وإذا نزع الحياء من أمة فقد تُودّع منها .. وإني لأعجب كيف لكلمات الآباء وتوجيهات الأمهات أن تصل إلى الأولاد وهم يستقبلون كل يوم عشرات المشاهد والكلمات التي تنسخ بالليل ما سمعوه منهم بالنهار، ويظل الشيطان بالإنسان يغريه ويغويه حتى ينتقل به من مرحلة إلى أخرى .. أما ما تحويه هذه الدشوش من بلاء وفتنة وما تحمله من سموم مبطّنة فتلك آخر ما يفكر فيها. وأما ما تحمله هذه المادة المبثوثة من غزو للأفكار فهي أمور مقصودة، ومن تدمير للأخلاق مبرمجة ومدروسة فذلك ما تغيب عن باله في سبيل اللذة الآتية والنهم في معرفة ما لدى الآخرين. ومن العجب أنك لا تجد أحدا حين المناقشة يخالفك الرأي في الأثر السيئ لسماع الغناء والخنا، والنظر إلى المشاهد المثيرة للغرائز والعواطف في أي وسيلة وعبر أي قناة، ومع ذلك تحسّ بالإصرار على الخطأ أحيانا، وتحس بالتجاهل لنتائج الدراسات العلمية لهذه البرامج على النشء مستقبلا، والقضية ضعف في اتخاذ القرار وانشطار في القوامة بين الرجل والمرأة في البيت.
* ـ السبب السادس السفر للبلاد الإباحية باسم السياحة في الصيف، والتردد كثيرا على البلاد التي ينتشر فيها الفساد وتُعلن الرذيلة أسباب جالبة لوقوع الزائر في الشراك وإن لم يقصدها، وضعف رقابة الآباء والأمهات على البنين والبنات، وضعف التوعية في مدراس البنين والبنات عن مخاطر جريمة الزنا، كل هذه وتلك إذا وجدت فهي أسباب من الأسباب المؤدية إلى الزنا، نسأل الله السلامة لنا ولسائر المسلمين.