أعتقد أن هناك شبه اتفاق أو إجماع على أن تطوير التعليم هو أن يكون لدينا اختبار يقود إلى التعلم، وليس تعليماً يقود إلى الاختبار.
ومن الملاحظ أيام الاختبارات إعلان حالة الطوارئ في البيوت، وسيطرة القلق، والتوتر، والبحث بكل الطرق الممكنة عن كيفية حفظ المعلومات، والتركيز على أسئلة أو موضوعات محددة (وقد يكون ذلك بتوجيه من المعلم) وكل ذلك من أجل اجتياز الاختبار.. ونتيجة لطريقة إعداد الاختبارات التي تقيس مهارة الحفظ فإن الطالب الذي يمتلك ذاكرة قوية وقدرة على الحفظ والاسترجاع سوف يحقق درجة عالية.
السؤال الآن: هل اجتياز الاختبار الذي يقيس مهارة الحفظ يعبر عن قدرة الطالب على التعلم؟ والتفكير، والتحليل المنطقي، وكيفية التعامل مع المشكلات واتخاذ القرارات، وهل يدرك الطالب العلاقة بين ما يتعلمه وبين المجتمع المحيط به؟ وهل يترجم ما يتعلمه إلى سلوك إيجابي؟ وما هو دور المعلم التعليمي؟ وما هو دوره التربوي في بناء شخصية الطالب؟ وما هو دور الطالب في مراحل الدراسة المختلفة في أن يتحول من مجرد متلق إلى مشارك في العملية التعليمية، والتربوية، وهل تساعد البيئة المدرسية على تطبيق المفاهيم الحديثة في أساليب التربية والتعليم؟
إن التعليم الذي يقود إلى تعليم الطالب كيف يتعلم، وكيف يبحث، لا يمكن أن يتحقق عن طريق الاختبارات التقليدية التي تحولت إلى غاية بحد ذاتها وأصبح اجتيازها هو عنوان النجاح والتفوق..
إن الاختبارات وما يصاحبها من شحن نفسي، وتوقف عن الدراسة حيث يتغيب الطلاب عدة أيام للتحضير والمراجعة، إلى جانب ظاهرة الدروس الخصوصية، كل ذلك أدى إلى سلوكيات طلابية تعقب انتهاء الاختبارات مباشرة، مثل تمزيق الكتب، والتفحيط بالسيارات، تعبيراً عن الفرح بانتهاء أيام عصيبة.
هذه السلوكيات يتوقف عندها التربويون طويلاً لتقييم دور المدرسة وتأثيرها في سلوك الطلاب.. وإذا أردنا أن ننظر نظرة شمولية منصفة فإن أولياء الأمور يشاركون المدرسة هذه المسؤولية، ويقع عليهم اللوم في السلوكيات غير المنضبطة التي تحصل بعد الاختبارات.
في هذه الأجواء بدأت أقرأ في كتيب صغير في حجمه، ثمين في مضمونه يحمل عنوان (تعليمنا إلى أين) من إعداد الأستاذ زهير السباعي، فوجدته يتحدث عن تطوير التعليم العربي ومفتاح هذا التطوير كما يراه هو تطوير المعلم، ويستشهد بتقرير مكنزي عن تطوير التعليم في دول الخليج العربي وقد ورد في هذا التقرير ما يلي (بعد أن خطت دول الخليج العربي خطوات بعيدة المدى في نشر التعليم الابتدائي والثانوي بين مواطنيها أصبح يواجهها تحد آخر ذلك هو تحسين نوعية التعليم، ولكي نحقق هذا الهدف يأتي تطوير قدرات المعلم على رأس الأولويات)..
إن تطوير المعلم قضية متفق عليها لأنه يتعامل مع عقول وقلوب الطلاب، ولكن دور المعلم لكي يكون مؤثراً لابد له من توفر بيئة تعليمية تحقق شروط العملية التعليمية الناجحة ومن أهم عناصر هذه البيئة وضوح فلسفة التعليم، وأهدافه لكل مرحلة، وتطوير مفاهيمنا وتطبيقاتنا في مسألة الاختبارات وهو الأمر الذي يعني بالضرورة تطوير طرق التدريس وجعلها تميل إلى الجانب العملي أكثر من الجانب النظري، عن طريق إعادة النظر في تصميم المناهج، بما يحقق بناء الجسور بين المفاهيم والممارسات وزيادة التفاعل والربط بين المدرسة والمجتمع.
لقد أُعدّ المعلم لكي يدرّس بطريقة نظرية ويقدم الاختبار النظري، فإذا أردنا تطوير التعليم ونقله إلى مرحلة جديدة ونوعية فلابد من إعادة النظر في المناهج والبرامج التي تعد المعلم.