بقلم خليل محمود الصمادي
لا شكَّ أنَّ ظاهرةَ التقاء الساكنين تُحدِثُ تغييراً في بناء الكلمات في اللغة العربية ونطقها وإعرابِها، وهي ظاهرةٌ تستحق الوقوف والدراسة لتَكرارها في كلامنا الفصيح إعرابا ونطقا وضبطا.
فالتخلص من التقاء الساكنين قديمٌ قِدمَ لغتنا العربية، والشواهدُ عليه كثيرة من شعرنا الجاهلي والقرآن الكريم والحديث الشريف وأقوال العرب، أما في القرآن الكريم فقد أخذت ظاهرة التقاء الساكنين اهتماما عند الدارسين على مر العصور.
وخلاصة القاعدة في اللغة العربية تقول: إذا التقى ساكنان فيتم التخلص من أولهما؛ إما حذفا إذا كان معتلا، أو بتحريك أحدهما بالحركات إن كان الساكن صحيحا.
وفي أصل الكلمة الواحدة لا يجتمعُ ساكنان، وإنما الاجتماع يتم بتغيير الكلمة بسبب العوامل الداخلة عليها، أو عند وصلها بكلمة أخرى؛ فالأمرُ من (قَامَ) (قُمْ) ومن (وَفَى) (فِ) ومن (رَأى) (رَ) أو (رَهْ)، والمضارع المجزوم مِن (يقول) (لَمْ يَقُلْ) وهكذا.
مواضع التقاء الساكنين:
قيل: إنَّ العرب لا تبدأ بساكن ولا تقف على متحرك، ولكن عند تصريف بعض الأفعال يطرأ السكون على أوله فيتم التخلص منه بهمزة الوصل، ويغلِبُ ذلك في أمر الثلاثي والخماسي والسداسي (ذَهَبَ يَذْهَبُ اذْهَبْ), (اسْتَعَانَ اسْتَعِنْ اسْتِعَانَة)، فالقاعدة تقول: يأتي الأمرُ من المضارعِ بعد حذف حرف المضارعة كما في المثال السابق، وبما أنَّ فاء الفعل ساكنةٌ فلا بد من النطق بمتحرك، وتخلصا من هذه المشكلة جيء بهمزة الوصل للنطق بمتحرك بدايةً، وهذه الهمزة تسقط لفظا عند الوصل كما في (وقال لهُ اذْهَبْ). وقول (إنَّ العرب لا تقف على ساكن) ليس على إطلاقه، وقد توسَّع علماء التجويد في ذلك وأجازوا الوقوف على متحرك في الروم أو الإشمام أو هاء السكت.
هل يلتقي ساكنان في الكلمة الواحدة؟
لا يلتقي ساكنان خطّاً في الكلمة الواحدة، وإنما الالتقاءُ يكون لفظا من أجل الوقوف العارض، ويكون ذلك في وسط الكلمة أو في نهايتها، ولا يكون في بداية الكلمة إطلاقا، ففي الوسط لا يكون إلا بعد مدٍّ مع التضعيف؛ كما في (الصَّاخَّة)، (الحاقَّة)، وما شابههما، وفي الطرف إذا وَلِيَ المدَّ سكونٌ عارض مثل (رحيْمْ) (عليْمْ)، ويكون أيضًا مع حرفين صحيحين؛ الأول ساكن أصلي والثاني عارض من أجل الوقف كما في والفجْرْ. وليالٍ عشْرْ [الفجر: 1-2].
أما النوع الأول فيُتخلص منه بالمد، وأما الثاني الذي فيه الحرفان الصحيحان فالنطق به صعب؛ إذ تشم رائحة الحرف الأخير شما؛ إذ يصعب نطق الساكن الأخير إذا سبقه ساكن صحيح. ويسمى "رَوْمًا" قال السيوطي: "ولم يَجمعوا (يقصد العرب) بين ساكنين في حشو الكلمة، ولا في حشو بيت، ولا بين أربعة أحرف متحركة؛ لأنهم في اجتماع الساكنين يبطئون، وفي كثرة الحروف المتحركة يستعجلون، والكثيرُ في التقاء الساكنين يكون في الوصل بين الكلمات كما في قالت الأعراب آمنا [الحجرات: 14] ومثله كثير في القرآن وغيره من كلام العرب [1].
إذًا يلتقي ساكنان في كلام العرب ولكن طرفاً، وزاد بعضهم: أنه تلتقي ثلاث سواكن طرفا، واستشهدوا على ذلك بالكلمات المشددة طرفا التي تقع بعد مد كما في (جانّ) (حاجّ) (صوافّ) (تتَّبعانّ) وكذلك في (أراْيْتْ) و(أاْنْتْ) في قراءة ورش بالإبدال.
كيف يتم التخلص من الساكنين؟
هناك طرق عدة للتخلص من الساكنين:
1- الحذف خطاً:
- يُحذف حرفُ العلة إذا وقع آخرَ الأمر (ادْعُ) (اجْرِ) (اسْعَ)، ويعود حرف العلة مفتوحا عند اتصال الفعل بنون التوكيد: (اجرِيَنْ) (ادنُوَنَّ).
- يُحذف حرف العلة إذا وقع في الفعل الأجوفَ وسكن آخرُه كما في (قُلْ) (بِعْ) (نَمْ) (لا تنَمْ) (لم يقلْ). وإذا تحرك آخره عادت العين المحذوفة كما في (قُولا), (نامُوا)، (خافِي) …. لعدم تتابع الساكنين، كما تحذف العين إذا اتصلت بالفعل ضمائر الرفع المتحركة نحو: (قُلتُ)، (بِعتُ)، (قُلنَ)، (هَبْنَ). فالأصل في (قُلْتُ) (قَوَلْتُ)؛ تحركت الواوُ بعد فتحة فقلبت ألفاً فصارت (قَالْتُ)، فاجتمع ساكنان فحذفت الألف لاجتماع الساكنين. وكذا (بِعت) (بَيَعْتُ) (باعْتُ) (بعْتُ). أما (يقلنَ) (يقْوُلْنَ) (يَقُوْلْنَ) (يقُلْنَ)؛ نقلت حركة الواو إلى الحرف الصحيح الساكن لأنه أولى بتحمل الحركة، ثم حذفت لالتقاء الساكنين.
- يحذف حرف العلة من الاسم المنقوص إذا نون بالرفع أو الجر كما في (قاضٍ)، وتبقى الياء بعد تنوين الفتح؛ لأنَّ الياء فتحت وتخلصت من التسكين.كما في (رأيت قاضياً).
- تحذف الألف المقصورة لفظا إذا نونت كما في (قرًى) رفعا ونصبا وجرا؛ لأن التنوين ساكن ويأتي بعد ساكن وهو حرف العلة، فيحذف تخلصا من التقاء الساكنين.
- إذا لحقت الفعلَ الماضي المعتل واوُ الجماعة أو تاء التأنيث يحذف المعتل من الفعل ويعوض عنه بحركة من جنس المحذوف قبل الألف للدلالة على أنَّ المحذوف ألف (رأى + و = رأَوْا) (غَزَى + تْ = غَزَتْ)، أما إذا وَلِيَ واوَ الجماعة الساكنة سكونٌ فتضم الواو كما في قوله تعالى اشتَرَوُا الضلالة [البقرة: 16]، فتم التخلص من سكون الواو بضمها؛ وذلك لمجيء الساكن بعدها. وإن كان أصل المعتل (لام الفعل) واوا فتحذف ويضم الحرف الذي قبلها لمناسبة الواو: (سَرُوا) بوزن (فَعُوا) فأصلها (سَرُوُوا)؛ تحركت الواو بالضمة لمناسبة واو الجماعة واستثقلت الضمة على الواو فحذفت، ثمَّ حذفت الواو نفسها دفعا لالتقاء الساكنين.
- يحذف حرف العلة من المضارع المعتل الآخر عند إسناده لواو الجماعة أو ياء المؤنثة المخاطبة كما في (يرمِي)، (يدنُو)، (يسعَى) فعند الإسناد تصبح (يرمُون)، (لم يدنُوا)، (لتسعَوْا). و(ترمِين)، و(تَدنِين)، و(تَسعِين). ويحرك بالفتح ما قبل المحذوف إن كان ألفا (يسعَوْن) وبالضم إن كان المحذوف واوا (يغزُون) وبالكسر إن كان المحذوف ياء (تغزِين). ويُعامل فعلُ الأمر معاملةَ المضارع؛ لأنه مأخوذ منه فيحمل عليه، (اسعَوْا) و(اسعَيْ) و(اغزُوا) و(ارمِي).
- يحذف حرف العلة من اسم المفعول المعتل العين كـ(مَقْوُول) من (قال)، (مقُوْوْل) ثم (مقُول) بحذف الواو تخلصا من التقاء الساكنين وكذلك (مَبْيُوع) من (باع)، (مَبِيْوْع) ثم (مَبيِع) نقلت حركة العين إلى الساكن قبلها فالتقى ساكنان فحذفت واو المفعول.
- تحذف ألفُ المصدر من (إفعال) و(استفعال) إذا كان الفعل معتل العين مثل "أقام إقامة واستقام استقامة" فأصلهما: (إقوام) و(استقوام)، نقلت حركة العين - وهي الفتحة - إلى الساكن قبلها، فالتقى ساكنان: عين الكلمة والألف، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين فصارتا "إِقَوْمَا" (بكسر ففتح فسكون) و"استِقَوْما" (بكسر التاء وفتح القاف وسكون الواو) فقلبت العين ألفا لتناسب الفتحة قبلها، فصارتا "إقاما واستقاما" ثم عوض المصدر من ألف الإفعال والاستفعال المحذوفة تاء التأنيث. واختصاراً عندما نقول (أكرم) فالمصدر (إكرام) على وزن (إفعال) وفي (أعان) (إعاان) (إفعْال) فالتقى ساكنان فيحذف عين الفعل (الألف الأولى من إعاان) ويعوض عنها بتاء التأنيث فتصبح على وزن (إفالة) وكذا في (استعان).
- إذا لَحِقَ مضارعَ الأفعال الخمسة نونُ التوكيد مثل (ليقولونّ) فتصبح (ليقولُنّ)؛ لأنَّ أصل الكلمة (ليقولونْنَّ) ففي هذه الكلمة ثلاث نونات؛ نون الرفع والنون الأولى الساكنة المدغمة والنون المشددة المفتوحة الآخر ثم حذفت نون الرفع لتوالي الأمثال، فالتقى ساكنان واوُ الجماعة والنونُ الأولى الساكنة من النون المشددة المفتوحة الآخر, فحُذِفت واو الجماعة تخلصاً من التقاء الساكنين، وبقيت الضمة على اللام للدلالة على المحذوف. وهكذا فيما يقاس عليه.
- تعود الفتحة إلى آخر المضارع المجزوم إذا اتصلت به نون التوكيد الثقيلة أو الخفيفة مثل: (والله لتجتهدَنَّ)، ويعرب عندها فعلَ مضارع مبنياً على الفتح لاتصاله بنون التوكيد في محل جزم؛ وذلك لأنَّ التنوين ساكن و(لتجتهدْ) مجزوم فيتم التخلص من السكون الأول ببنائه على الفتح.
2- وأما الحذف لفظاً فكثير في لغتنا العربية وأهمه:
- تُحذف الألفُ المقصورة لفظا إذا نُوِّنت كما في قُرًى وهُدًى رفعاً ونصباً وجرّاً؛ لأن التنوين ساكن أتى قبله ساكنٌ وهو حرف العلة فتحذف الألف تخلصا من التقاء الساكنين.
- تُحذف حروفُ العلة إذا وَلِيَها ساكنٌ كما في (وفي السماء) و(على الأرض) ففي السماء تم حذف ثلاثة أحرف هي ياء (في) وهمزة الوصل واللام الشمسية من (السماء) التي عُوِّض عنها بتضعيف السين، أما (على الأرض) فحذف حرفان هما ألف (على) وهمزة الوصل من الأرض. وأمثلته كثيرة في اللغة العربية.
- تحذف همزات الوصل من (ابن) و(اسم) و(امرؤ) و(امرأة) وغيرها من الأسماء المبدوءة بهمزة وصل وكذلك المصادر والأفعال المبدوءة بهمزة وصل وأل التعريف إذا سبقت بساكن كما في (يا ابن الأكرمين) وسبحِ اسْم ربك الأعلى [الأعلى: 1]، وقالوا اتخذ [البقرة: 116]، تحذف الواو في (قالوا) وهمزة الوصل في (اتخذوا) وهذا كثير في لغتنا العربية.