اهتمّ علماء العربية بدراسة المفردة والجملة من خلال أنماطها، وأركانها وما لهذه الأركان من دلالات، كما اهتمّوا بالتّنويعات اللّغوية وما لها من دلالة فنية، فذهبوا إلى أنّ هذه الدّلالات قد تأتي من توافق الحروف أو تخالفها،أو من توافق الكلمة أو الجملة أو تخالفهما.
تتكوّن الجملة من مفردات تؤدي في النّهاية معنًى مفيدا،وهذا المعنى كوّن صورة ذهنية لدى المتكلّم الذي يسعى لنقله إلى المخاطب في صياغة ما.
ولفهم معاني الجمل أو الكلام لابد لنا من وصف بنية هذه الجملة، لنفهم كيفية ارتباط المعنى بمجموعة الألفاظ التي تؤديه، وحين ندرك هذا نستطيع تحديد التّداخل الحاصل بين الشّكل الصوتي أو الكتابي والصورة المعنوية.
وبداية يجب أن نوضّح أننّا لا نقصد بالتّكرار حصره في المعروف من أشكاله سواء التام أو الجزئي وإنّما نريد كلّ ما يحقّق تناسبا كميا صوتيا ينجرّ عنه أداء معنوي.
ما هي أشكال هذا التّكرار النمطي؟
يتخذ التّكرار النمطي أشكالا متعدّدة تناولها علماء العربية في القديم بالدّراسة والتحليل منها:
1ـ التناسب والتقابل:
أي تتناسب وحدات معنوية مع وحدات معنوية أخرى، قال تعالى:
<< فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا>>
فالضحك يتناسب مع البكاء ، والقلّة مع الكثرة.
2ـ التعديل:
يتمثّل في إيقاع الأعداد من الأسماء المفردة في النثر والشعر على سياق واحد.
مثل: فلان إليه الحلّ والعقد، والقبول والرّدّ، والأمر والنّهي، والإثبات والنّفي.
3ـ تنسيق الصّفات:
وهذا شكل فيه تناسب معنوي خالص كقوله تعالى:
<<هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السّلام المؤمن المهيمن العزيز الجبّار>> المتكبّروقوله تعالى:
<< يا أيّها النّبيّ إنّا أرسلناك شاهدا ومبشّرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا>>
4ـ السجع والتجانس:
وفيه تتكرّر الكمية الصوتية المحقّقة للتوازن اللّفظي كقول الأعرابي:
<< سنة جردت، ومال جهدتْ،وأيد جمدتْ، فرحم الله من رحم،وأقرض منْ لا يظلم>>.
قال النّضْر: << حتّى عاد تعريضك تصريحا، وتمريضك تصحيحا>>.
ومن باب السجع ما يعرف بالالتزام وهو أن يلتزم المتكلّم حرفا بعينه أو حرفين أو أكثر ومنه قوله تعالى:
<< والطور وكتاب مسطور>>
و قوله تعالى:
<< فلا أقسم بالخنّس الجوار الكنّس>>
<< واللّيل وما وسق والقمر إذا اتّسق>>
ولا يغيب عليكم دور المشترك اللّفظي في النّحو و الاشتقاق في الصّرف وعلاقته السجع والجناس والترصيع.
5ـ التكرار المعنوي:
قال ابن الخطيب:
قالت أمامة لا تجزع فقلت لها إنّ العزاء وإنّ الصّبر قد غُلِبا
العزاء أكثر الصّبر وأحسنه.
6ـ ما لا يستحيل بالانعكاس:
ويتخذ شكل النّسق الرّياضي أو الترتيب الهندسي ومن أشكاله أن تعاد قراءة الكلمات من آخر حرف فنجد المعنى بتمامه دون تغيير في الشّكل والدّلالة ومنه قوله تعالى:
<< كلّ في فلك >> وقوله أيضا << ربّك فكبّر>>
ومن الشعر قول الشاعر:
مودّته تدوم لكلّ هول وهل كلّ مودّته تدوم
ومن التكرار الدّلالي ما يتوفّر عليه تشابه الأطراف .
قال قيس:
إلى الله أشكو فقْدَ لُبْنى كما شكا إلى الله بعد الوالدين يتيم
يتيم جفاه الأقربون، فجسمه نحيل، وعهد الوالدين قديم
ومن هنا نتبيّن تلاحم الدلالة واتصالها بين البيتين.
ولك في ردّ العجز على الصّدر مثال للتكرار النمطي ظاهر في قول الشاعر:
سريع إلى ابن العمّ يلطم وجهه وليس إلى داعي النّدى بسريع
وخذ لك الإرصاد والتسهيم كقوله تعالى:
<< وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون>>.
ولك في مجاورة مثال يتجاوز مجرد التكرار ليؤدي المعاني المقصودة من قبل المتكلّم.
قال علقمة:
ومطعم الغنم يوم الغنم مطعمة أنّى توجّه ، والمحروم محروم
هذا قليل من كثير إنّما أوردناه واستشهدنا له من الذكر الحكيم والشعر لنبيّن أنّ الدّراسات البلاغية التراثية سعت لبيان الإعجاز وعلينا نحن حين تحليل النّصّ الأدبي مع طلابنا أن نفك خصوصيات البنية النصّية المترجمة للمعاني التي يقصدها المتكلّم في رسالته التواصلية من خلال الخطاب مع المخاطب.