- خصائص النص المترابط:
يتميز النص المترابط بمجموعة من السمات التي تميزه عن النص دون أن يلغي هذا التميز الخصائص المشتركة مثل: الانفتاح، التعدد الدلالي والقرائي والتناص. ونحدد السمات الفارقة فيما يلي:
1. انعدام الخطية: إن الوحدات التي تكون النص المترابط لا ترتبط وبالضرورة مع بعضها البعض بشكل خطي ناتج عن توالي الفقرات وإنما بشكل شبكي، هذه الوحدات قد تشبه الفقرات لكنها قد تكون عبارة عن كلمة، أو صورة، أو مجموعة من الوثائق المعقدة المرتبطة فيما بينها بمجموعة من الروابط. خصوصية بناء النص المترابط تستتبعها أيضا خصوصية في القراءة التي لا تتم بشكل خطي: بدءا بالبداية وانتقالا من صفحة إلى أخرى وصولا إلى النهاية. وإنما تتم بالقفز من شذرة إلى أخرى. بإضافة عقد أو إزاحة أخرى، ببناء شبكة إخبارية أو هدمها.
2. دينامية القراءة: إن صيرورة القراءة ترتكز على مجموعة من العلامات المتمظهرة في النص، ويمكن أن نميز في هذه العلامات بين نوعين اثنين:
أ- تلك التي تقود القراءة نحو عناصر محددة.
ب- وتلك التي تعطي وتقترح إمكانيات مختلفة للاستمرار في العملية القرائية.
مما يجعلنا نميز بين علامات "ثابتة" وأخرى "دينامية" ، و تتمظهر ثنائية: الثابت والدينامي بشكل جلي داخل النص المترابط لاحتوائه على وحدات ثابتة لا تتقدم كعلامات قابلة للتنشيط إذ لا تعتبر ظلا لأي رابط مادي مسجل داخل النص بقدر ما ترتبط بمكونات تنتمي إلى نفس مستوى تقديم النص كمكونات الجملة. ومن ثمة فهي لا تعد مكانا يتضمن احتمال أي قراءة كامنة. هذا بخلاف الوحدات الدينامية التي يمكن تنشيطها والتي تسمح بالمرور إلى مستوى ومحتوى نصي آخر.
ويمكن أن نلاحظ داخل النص الذي يتخذ من الكتاب واسطة لتمظهره أن بعض الخاصيات الكتابية ككتابة الكلمة بلون مغاير أو بخط مضغوط يمكن أن تمنح لمكونات النص بعدا ديناميا. فالكلمة المبأرة يمكن قراءتها بطريقتين مختلفتين:
أ- قراءة الكلمة باعتبارها مكونا من مكونات الفقرة.
ب-قراءتها معزولة باعتبارها وحدة دلالية تؤشر على الفقرة.
وعلى العموم يمكن لكل العلامات التي يتم تبريزها أن تصبح مكونات دينامية. وبما أن هناك طرقا متعددة لتقديم العناصر الدينامية، وبما أننا نعلم أن كتابة محتوى نصي ترتكز على مجموعة من المميزات البصرية للعلامات التي تظهر مستويات مختلفة لتكونه الداخلي فإننا يمكن أن نفترض أن كل علامة دينامية تفسح المجال لتنشيط قراءة خاصة، يمكن أن تؤدي أحيانا إلى شيء يشبه تصميما للقراءة يتمتع بدرجة عالية من الاستقلال وبنوع من الانسجام بين العلامة وما تحيل عليه. مثلا: العلامة التي تشير إلى الفقرة تتوازى وقراءة الملخص والتي تشير إلى الإحالات المرجعية إلى قراءة البيبلوغرافية. وأحيانا العلامات الدينامية قد تنفتح على مستويات للقراءة يصعب أحيانا الجمع بين أجزائها مثل الجمع بين النص والحواشي.
وحينما نقول إن من بين خصائص النص المترابط: دينامية القراءة فهذا يعني دينامية البناء. ذلك أن الخصائص الكتابية التي يتمتع بها هذا النص لا يمكن إبرازها إلا من خلال الإمكانات القرائية التي يفجرها، فعن طريق القراءة يمكن التنظير لهذا الجنس الوليد.
3. البعد اللعبي:
من خصائص النص المترابط سيطرة البعد اللعبي، فالقارئ لا يهتم بالمعنى قدر اهتمامه بالشكل، بترابط الأخبار وبالإمكانيات البصرية والصوتية وبالبعد التكنولوجي للواسطة، مجربا ولوج النص من هذه الوحدة أو تلك مزعزعا النظام الذي تعرض فيه. حتى القراءة المتخصصة قلما تهتم بالنص في ذاته من أجل تحليله نصيا أو خطابيا وإنشاء قراءة متعمقة قدر اهتمامها بالواسطة وما تقدمه من إمكانيات. هذا ما دفع بـ: بيرتراند جيرفي (Bertrand Gervais) ونيكولاس كزانتوس (Nicolas Xantos) في مقالتهما المشترك إلى طرح السؤال التالي: "هل يمكن أن نقوم بتحليل سيميائي للنصوص المترابطة مثلما هو الحال بالنسبة للنصوص؟ ماذا يحل بالبنيات السردية الخاصة بكل سرد داخل النصوص ذات الطبيعة المترابطة؟" . فقد لاحظا أن القارئ يظل أسيرا لهذا الشكل الترابطي فلا يغادر السطح للتسلل إلى الداخل حيث يكمن المحتوى. هذا النوع من اللعب هو لعب سطحي لا يلغي اللعب الحقيقي الذي يمتاز به النص المترابط والناتج عن دمج الكتابة والقراءة في الممارسة نفسها ليصبح فضاء النص فضاء افتتان.
4. ثلاثية الأبعاد:
النص المترابط، نص ثلاثي الأبعاد وهذه الخاصية مستخلصة من الطبيعة التأليفية للنص الإلكتروني الذي تبنى وحداته في إطار من اللعب التفاعلي الحاصل بين ثلاثة مكونات هي:
1- الكتابة.
2- العرض.
3- التصفح والإطلاع .
ففي الوقت الذي تتداخل فيه هذه العناصر داخل النص، نجدها تتمتع بالاستقلال التام داخل النص المترابط، وبتفاعلها فقط تتشكل الوحدة الدلالية.
فإذا كانت عملية القراءة داخل النص تتم بمعزل عن الكتابة؛ حيث تتقدم كعنصر خارجي وغريب عنها، فهي في النموذج الثلاثي الأبعاد عنصر من بين العناصر المساهمة في تركيب النص المترابط و الذي يسمح بالولوج إلى معطياته ومساراته. وهذا يعني أن عملية القراءة تضم بعدي العرض ثم التصفح، اللذين يمكن ملاحظتهما بشكل ملموس لتصبح الخاصية المميزة للنص المترابط هي القبض و التعبير بشكل واضح على مختلف العمليات القرائية التي تأخذ طابعا ماديا. فمختلف عمليات التصفح والإبحار المحددة لعمليات الولوج للمعطيات المكتوبة والمحفظة في ذاكرة الحاسوب، عمليات يمكن تحديدها أو إيقافها زمنيا من أجل التحليل والدراسة.
وبتطبيق صيرورة التسويم البورسي كما تقترح دراسة جان باتيست (Jean Baptiste) ودافيد بويترفسكي (David Piotrawski) تتأسس علاقة وظيفية جديدة ما بين: العرض، الاطلاع والكتابة. هذه العلاقة التي تأخذ شكلا دائريا. فالمعطيات المعروضة على شاشة الحاسوب (العرض) تنفتح مباشرة (الاطلاع)، بتتبع المسارات التي ينتجها نظام الروابط القابلة للتنشيط والبادية على الشاشة؛ على معطيات جديدة (التدوين أو الكتابة) يتم استدعاؤها من خلال القراءة لنحصل على الخطاطة الدينامية التالية:
العرض الاطلاع التدوين العرض...
وكي نلقي أضواء جديدة على النموذج الثلاثي الأبعاد فإننا نستحضر خاصية أخرى يتمتع بها هي: اللامادية.
5. اللامادية:
قراءة النص من على شاشة الحاسوب تحرم القارئ من الجانب المادي الملموس الذي يحققه الكتاب، فالنص أصبح يختزل على سطح أملس بدون عمق، ولم يعد موضوعا يمسك باليد.
والقول بأن النص المترابط يتضمن بعض المظاهر التي يمكن أن نصبغ عليها صفة انعدام المادية وأن نجعل من هذه الخاصية ميزة تفرق بين النص والنص المترابط لا يعد قولا يتضمن أي ملمح من ملامح التناقض، أي: أن نقول بأن النص المترابط يمنح للقراءة طابعا ماديا كما أنه نفسه نص غير مادي لا يعد تناقضا، إذ لا يمكننا نفي أنه يتضمن بعض المظاهر غير الملموسة، فإذا كان المستوى المجرد في النص هو المحتوى، ففي النص المترابط حتى مستوى العبارة يعد مجردا لأنه يحتاج إلى وساطة تعيد تركيب معطياته.