تعريفها:اي في اللغة من العارية أي نقل الشيء من شخص إلى آخر حتى تصبح تلك العارية من خصائص المعار إليه.
في المصطلح:
أول من وقف على الاستعارة أبو عمرو بن العلاء، إذ قال: (( كانت يدي في يد الفرزدق، وأنشدته قولَ ذي الرُّمَّةِ[1]:
أقامَتْ به حَتَّى ذوى العودُ في الثَّرى
وساق الثريا في ملاءته الفجرُ
قال: فقال لي: أ أرشدكَ أم أدعكَ؟ قلت: بل أرشدني. فقال: إن العودَ لا يذوي أو يجف الثرى، وإنما الشعر/ حتى ذوى العودُ والثرى/..ثم قال أبو عمرو: ولا أعلم قولاً أحسن من قوله: / وساق الثريا في ملاءته الفجرُ/ فَصَيَّر للفجر ملاءةً، ولا ملاءة له، وإنما استعار هذه اللفظة، وهو من عجيب الاستعارات.))[2]
وقال ابن قتيبة: (( فالعرب تستعير الكلمة فتضعها مكان الكلمة إذا كان المسمى بها بسبب من الآخر، أو مجاورا لها أو مشاكلاً))[3]
القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني: (( الاستعارة ما اكتفي فيها بالاسم المستعار عن الأصل، ونقلت العبارة فجعلت مكان غيرها. وملاكها تقريب الشبه ومناسبة المستعار له للمستعار منه، وامتزاج اللفظ بالمعنى حتى لا يوجد بينهما منافرة، ولا يتبين في أحدهما إعراض عن الآخر))[4]
وقال الرماني: (( الاستعارة تعليق العبارة على ما وضعت له في أصل اللغة على جهة النقل للإبانة))[5]
وقال أبو هلال العسكري: هي (( نقل العبارة عن موضع استعمالها في أصل اللغة لغرض))[6]
وقال عبد القاهر الجرجاني: (( فالاستعارة أن تريدَ تشبيه الشيء بالشيء، فتدع أن تفصح بالتشبيه وتظهره، وتجيء إلى اسم المشبه به فَتُعيرُه المشبه وتجريه عليه. تريد أن تقول: رأيت رجلاً ه كالأسد في شجاعته وقوة بطشه، فتدع ذلك وتقول: رأيتُ أسداً ))[7]
وقال شرف الدين الطيبي: (( الاستعارة وهي أن تذكر أحد طرفي التشبيه مدعياً دخول المشبه في جنس المشبه به دالاً عليه بإثباتك للمشبه ما يخص المشبه به من اسم جنسه أو لازمه أو لفظ يستعمل فيه، نحو في الحمام أسد، والمنية أنشبت أظفارها))[8]
وقد اجتمعت التعريفات في فهم القدماء والمعاصرين على وجهين: أحدهما يقول: الاستعارة مجاز علاقته التشبيه، والآخر يقول: الاستعارة تشبيه حذف أحد ركنيه الأساسيين.
أركان الاستعارة:
1 – مستعار منه – وهو المشبه به
2 ومستعار له - وهو المشبه
3- ومستعار وهو اللفظ المنقول.
تطبيق:
﴿ واشتعل الرأس شيبا﴾[9]
التشبيه: الشيب يشبه النار،
المشبه: الشيب
المشبه به النار
المستعار الفعل ( اشتعل)
المستعار منه النار وهي المشبه به
المستعار له الشيب وهو المشبه
تقسيم الاستعارة باعتبار الطرفين
1- التصريحية: وهي التي يصرح فيها بلفظ المشبه به كقوله تعالى: ﴿ ليخرجهم من الظلمات إلى النور﴾ [10]
وكقول الشاعر[11]:
فأمطرت لؤلؤاً من نرجسٍ وسقتْ
وَردَاً وعَضَّتْ على العُنَّابِ بالبردِ
الاستعارات: هي دموع كاللؤلؤ، حذف المشبه، وأبقى المشبه به ( اللؤلؤ) فهي تصريحية، والعيون كالنرجس، حذف المشبه ( العيون) والتصريح بالمشبه به على طريقة الاستعارة التصريحية، والخدود كاللورد، فحذف المشبه وصرحوا بالمشبه به ( ورداً ) والأنامل أو الشفاه كالعناب ( ثمر أحمر) حذف المشبه ( الأنامل) وصرح بالمشبه به ( العناب) والأسنان كالبردِ حذف الأسنان وهي المشبه وصرح بالبرد، على طريقة الاستعارة التصريحية.
2- الاستعارة المكنية وهي التي يحذف منها المشبه به ويذكر المشبه، من ذلك قول الله تعالى: ﴿واخفض لهما جناح الذل من الرحمة﴾[12]
فقد استعار الجناح من الطائر، والمستعار له الذل، والمستعار الجناح. والغرض الطاعة للوالدين. والاستعارة مكنية؛ لأنه ذكر المشبه ( الذل) وحذف المشبه به الطائر، وأبقى شيئاً من لوازمه ( جناح) ليدل عليه.
و كقول الشاعر[13]:
وإذا المنية أنشبت أظفارها
ألفيتَ كلَّ تميمةٍ لا تنفعُ
المستعار ( أظفارها) من الوحش المفترس ( المستعار منه) وهو المشبه به، والمنية ( المستعار له) وهو المشبه. فالاستعارة مكنية لأنه ذكر المشبه ( المنية)
3- الاستعارة التحقيقية: هي تناسب بين المادي المستعار للمستعار له مثال: رأيت بحراً يعطي.
1- الاستعارة التخييلية: هي المكنية من جهة ( المستعار) فقوله تعالى ( جناح الذل) فقد استعار الجناح من الطائر والجناح محس ( محسوس) والذل معنوي عقلي، فارتباط الجناح بالذل قائم على التخيل أي العقل، فالملابسة عقلية خيالية وليست مادية حسية، واجتماع المادي بالمعنوي جزء من عقل العرب ومنهج التوسط الجامع بين المادة ( الجناح ) والمعنى ( الذل)
وكذلك / وإذا المنية أنشبت أظفارها / فإثبات الأظفار وهي شيء محس للمنية وهي شيء غير محس، يقوم على إدراك العقل ويسمى تخيلاً
أنواع الاستعارة بالاعتبار الصرفي
وهو أن تُحصر الرؤية في المستعار: هل هو جامد أو مشتق، فإن كان المستعار جامداً سميت أصلية من ذلك قول[14] الله ﴿ كتابٌ أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور﴾ فالمستعار في الآية ( الظلمات ) للجاهلية، و( النور) للإسلام، وكل منهما اسم فهي استعارة أصلية من جهة المستعار، وكل منهما استعارة تصريحية من جهة حذف المشبه ( الجاهلية) والتصريح بالظلمات وهي المشبه به، وكذلك لم يذكر الإسلام وهو المشبه بالنور، وصرح بالمشبه به وهو النور. والجامع بين الجاهلية والظلمات عدم الاهتداء إلى الحق في العقيدة أو العبادة أو الشريعة أو الخلق القويم. والجامع بين الإسلام والنور هو الهداية في أمور الحياة كلها.
قام الليث خطيباً، فالليث مستعار للخطيب، أي الخطيب يشبه الليث، فهي استعارة أصلية من جهة أن لفظ المستعار من عالم الحيوان اسم غير مشتق، وهي استعارة تصريحية من جهة حذف المشبه والتصريح بالمشبه به.
ومن جهة الأصلية في المكنية قول أبي ذؤيب: / وإذا المنية أنشبت أظفارها/ فالأظفار اسم والاستعارة أصلية من جهة أن لفظ المستعار اسم، و مكنية من جهة أن المشبه به ( الوحش) محذوف، وتخييلية من جهة إثبات الأظفار للمنية مما لا ينهض به عالم الحس، ويقوى في عالم النفس ( العقل).
وأما الاستعارة التبعية فهي أن يكون اللفظ المستعار مشتقاً كالفعل أو اسم الفاعل أو اسم المفعول أو حرف أو اسماً مبهماً ...من ذلك قوله تعالى: ﴿ واشتعل الرأس شيباً﴾ فالفظ المستعار ( اشتعل) من النار، والفعل من المشتقات فالاستعارة تبعية من هذه الجهة، وهي مكنية من جهة ذكر الشيب وهو المشبه، واستعير له لفظ ( اشتعل).
ويمكن القول إنه شبه سرعة الشيب في الرأس بسرعة النار في الاشتعال مما يجعل الاستعارة تصريحية من هذه الجهة.
ومن ذلك قولك: نطقت الحال بكذا، شبهت الدلالة الواضحة بالنطق ولو لم يكن لها لسان، فحذف المشبه وصرح بالمشبه به فه تصؤيحية من هذه الجهة. والفعل (نطقت) مستعار من الإنسان وهو فعل مشتق أي الاستعارة تبعية.
ويمكن القول: شبه الحال بالإنسان فحذف المشبه به ( الإنسان) وأبقى شيئاً من لوازمه ( نطق ) على طريقة الاستعارة المكنية.
ومنها الاستعارة في الحرف كقوله[15] تعالى: ﴿ أولئك على هدى من ربهم ﴾ أي تمكنوا من الاستقرار على الهدى كما يستقر الفارس على حصانه.
أنواع الاستعارة باعتبار التلاؤم أو التناسب
بين طرفي المستعار منه والمستعار له
وهي ثلاثة أنواع: أ- استعارة مرشحة أو ترشيحية، وهي التي يذكر فيها ما يناسب المشبه به، كقول الله تعالى: ﴿ أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم ﴾ استعير الشراء للاستبدال والاختيار، ثم فرع عليها ما يلائم المستعار منه من الربح والتجارة. المستعار هو الاشتراء، شبه الضلالة بالسلعة التي تشترى والثمن هو الهدى، فحذف المشبه به (السلعة) وذكر شيئاً من لوازمها وهو ( اشتروا) فهي تبعية من جهة لفظ المستعار من السلعة وهي المشبه به( المستعار منه) والربح مناسب للمشبه به فهي من جهة ذكر ما يناسب المشبه به.
ومثال لا تكن طاووساً فيقص ذيلك، شبه المتكبر بالطاووس، فذكر ( يقص ذلك ) وهو مناسب للطاووس وهو المشبه به فهذا يسمى استعارة ترشيحية من جهة ذكر ما يناسب المشبه به.
والمجردة وهي التي فيها ما يناسب المستعار له وهو المشبه، كقولك: رأيت بحراً على فرس يعطي، أي رجلاً يشبه البحر، وقوله على فرس يعطي مناسب للمشبه فالاستعارة مجردة
والمطلقة: هي التي لا تقترن بملائم لأي من المشبه أو المشبه به كقوله تعالى: ( بنقضون عهد الله ) شبه عهد بالحبل المنعقد فحذف الحبل ودل عليه بقوله ( ينقضون ) العقد التي عقدوها مع الله، ولم يذكر ما يجعله ترشيحاً، ولا ما يجعله مجردة إذا كان ثمة ما يناسب المشبه.
أو أن يذكر ما يناسب كل منهما كقول زهير:
لدى أسدٍ شاكي السلاح مقذَّفٍ
لــه لِـبَـدٌ أظفارهُ لم تُقَلَّمِ
فقد شبه الرجل بالأسد، فذكر أن الرجل شاكي السلاح مقذف، وأن الأسد له أظفار لم تقلم، فكان برتبة إطلاق لهما، فجمع الترشيح والتجريد مما أدى إلى تعارضهما وإسقاطهما معاً.
الاستعارة من جهة المضمون
المقصود بالمضمون ( الحسي والعقلي) و البسيط والمركب أوالهيثات، وكل ذلك بين ركني الاستعارة المستعار منه والمستعار له، وهي نوعان: الاستعارة التخييلية، والاستعارة التمثيلية.
الاستعارة التخييلية: وهي بحث في ماهية المستعارة من جهة المادة والمعى أو الحسي والعقلي ومناسبته للمستعار له، من ذلك مناسبة الأظفار للمنية ( وإذا المنية أنشبت أظفارها) فالأظفار مادية حسية، والمنية معنوية عقلية، وتركيب الأظفار للمنية ضرب من التخيل.
وقال أبو العتاهية:
أتتهُ الخلافةُ منقادةً
إليهِ تجرجرُ أذيالها
الاستعارة التمثيلية:
هي تركيب استعمل في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة بوجود قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي. وهي ضرب الأمثال لأحوال تناسبها من ذلك قولك للساعي الخائب: أنت تنفخ في قربة مثقوبة. وإذا قلت للمتردد: أراك تقدم رجلاً وتؤخر أخرى.
بلاغة الاستعارة:
يزعمون أن الاستعارة أبلغ من التشبيه، وهو قول مدفوع لأن البلاغة مراعاة مقتضى الحال، فلو اقتضت الحال تشبيهاً، وذهب الناطق إلى الاستعارة فقد أفسد مقتضى الحال، إنما يجب أن يقال: إن بلاغة الاستعارة في موضعها كبلاغة التشبيه في موضعه، ولو كان قولهم صحيحاً لوجب العدول عن التشبيه إلى الاستعارة في الكلام كله، وانظر في القرآن تجد التشبيهات بأنواعها والاستعارات بأفنانها، ولا يقال هذا أبلغ من ذاك، وبكل وقع الإعجاز، وإنما في كلام الناس يخطئ بعضهم في تقدير المقتضى فيضع التشبيه موضع الاستعارة فيقال في هذا الموضع أو ذاك الاستعارة أبلغ من التشبيه وليس بإطلاق القول.