يعتقد الكثير من المربين بأن البساط قد سحب من تحت أقدامهم لأسباب مجهولة ويهيمون مع ذكريات الأيام الخوالي عندما كان المربي مهاباً ويحظى بالاحترام والتقدير من التلاميذ والآباء وكيف أنه إذا مر من طريق فر التلاميذ من أمامه فرار الصيد من الصائد!!تلك المكانة حسب اعتقادي كانت بسبب المعلومة التي كان هو الوكيل الوحيد لها. لكن الوضع تغير الآن بعد توفر الكتاب والصحيفة والإذاعة والتلفزيون بقنواته الفضائية ثم جاء الكمبيوتر والإنترنت لتنفرط السبحة من يد المربي ويظل يمسك بجزء منها بأمر من النظام التعليمي حيث لم يتبق له إلا المعلومة الرسمية الموجودة ضمن دفتي المقرر! ولذلك فقد نادى بعض علماء التربية بما يسمى بموت المربي بما يعني أن سلطة المدرس المعلوماتية قد أفلت ولم تعد كسابق عهدها وإن لم تسلم هذه النظرية من النقد! لقد ارتفع المنسوب المعرفي والثقافي لدى التلميذ فلم يعد تبهره معلومات المربي في مقابل بقاء المنسوب لدى المربي كما هو بحكم أن المراهق أكثر رغبة في الاطلاع على كل جديد ولا نغفل أن أسلوب تكوين المربي التربوي في الجامعات لم يزل ضعيفاً ولم يتطور.لذا فإنه من الأجدى لو أعاد التربويون حساباتهم لمعرفة كيف يتعاملون مع جيل ليس هو ذلك الجيل الذي خبروه عندما كانوا تلاميذ، فالواقع الذي نعيشه مختلف تماماً؛ فالصغير الآن حتى قبل المدرسة يعرف الكثير من المعلومات لم يكن يعرفها الكبير قبل عشرين سنة، لذلك فنحن بحاجة الآن - أكثر من أي وقت - إلى التربية التي تُعنى بتكوين التلميذ الذي نربيه ونعلمه العطاء والبذل والمساهمة مع الغير والتعاون وحب الوطن ولن نصل إلى تحقيق تلك الأهداف إلا عن طريق تغيير طريقة التعليم مستخدمين كل ما يخدم المنهج من أساليب تربوية فاعلة. إن من المهم تمرير التلميذ على عدد من الوسائل والمؤثرات خلال يومه الدراسي مثلما يمر منتج في خط إنتاج مصنع! لأن تلك المؤهلات العملية وليست النظرية فقط ستؤهله لأن يكون ذا شخصية نراها في بعض التلاميذ المميزين الذين كان لبعض مدارسهم وبعض المربين وبعض المديرين وبعض المشرفين منحتهم الفرص ليكتسبوا شيئاً مهارياً أو معرفياً بالإضافة إلى معلومة الكتاب من خلال الأنشطة الطلابية والبرامج التدريبية والحوارات والمجالس الانتخابية المدرسية وغيرها!! لذلك فإن خسر المربي شيئاً مما في صندوقه السحري فلا تزال لديه مساحة كبيرة يستطيع أن يخدم فيها تلامذته ويراعي مواهبهم وإبداعاتهم؛ فالمعلومة التي يتساوى التلاميذ في استقبالها لا يمكن أن تصنع المبدعين ولا الموهوبين ويخطئ المربي في حق نفسه وفي حق طلابه إذا اعتقد أن دوره فقط لا يتعدى (حفظ) معلومات المقرر ومن ثم (تسميعها) أمام طلابه!!إن التلاميذ المميزين هم نتاج لمربين مازالت لهم في مدارسهم نفس مكانة المعلم القديم من الاحترام والتقدير، والتلمبذ مهما كان صغر سنه فهو يميز بين المعلمين ويحترم فقط من يستحق الاحترام!!