-الاتساق
ـ تعريف الاتساق ـ الاتساق الدلالي والتركيبي
مثال الانطلاق:
"شاع في النقد الحديث البحث في الأصول الاجتماعية للعمل الأدبي أو تفسير الأدب بالنظر إلى أصوله الاجتماعية وتعليل نزعة الأدب بالنظر إلى موقعه الاجتماعي .وفي عملية التفسير هذه ،يوجه أنصار هذا الاتجاه اهتمامهم نحو مضمون الأثر ،لأنه أقدر على إبراز الدلالات الاجتماعية أو التاريخية أو النفسية فيه ،ومن هنا كان بحثهم في مسألة تأثير البيئة والوسط الاجتماعي في مضمون الأثر الأدبي الذي لا يعدو أن يكون تعبيرا عن موقف اجتماعي محدد،واستجابة لموقف الطبقة التي يجد الأديب نفسه فيها ،ولذا لا يمكن أن يعد الأدب حدثا فرديا ، بل هو حدث اجتماعي يرتبط في شكله ومضمونه واتجاهاته الفنية بظروف المجتمع وتياراته المختلفة"
- ملاحظة الأمثلة:
جمل النص تخضع لعملية بناء منضمة ومترابطة تركيبيا ودلاليا، كل جملة تؤدي إلى الجملة اللاحقة وقد تحقق هذا التعالق بواسطة أدواة ووسائل لغوية ،ويعرف هذا الترابط المنظم بين الجمل بالاتساق وهو الذي يضمن تماسك النص وتمييزه عن اللانص وقد ساهمت في عملية الاتساق مجموعة من الوسائل والأدوات النحوية والدلالية وهذا ما جعل الاتساق يكون تركيبيا ودلاليا.
فالاتساق التركيبي تم عبر عملية الوصل بين الجمل إما بالعطف (و ـ أو )أو بالموصولية (الذي ـ التي )أو التعليل (لأنه ـ لذا)أو الاستدراك (بل).
والاتساق الدلالي فقد تم عبر الإحالة ووظف فيها الكاتب الضمائر (الهاء ـ هوـ هم) وهي تحيل على ما سبق أي إحالة قبلية ،وأسماء الإشارة (هذا ـ هذه ـ هنا )وهذه الأسماء منها ما أحال على سابق (وفي عملية التفسير هذه)أي إحالة قبلية،ومنها ما أحال على لاحق (يوجه أنصار هذا الاتجاه)أي إحالة بعدية .
فالضمائر وأسماء الإشارة حققت اتساق النص بربط السابق باللاحق واللاحق بالسابق، كما أنها تحيل على عنصر موجود داخل النص(عملية التفسير هذه ) وتسمى إحالة نصية أو مقالية ، وقد تحيل على عنصر خارج النص (يوجه أنصار هذا الاتجاه)وتسمى إحالة مقامية.
خلاصة:
الاتساق ذلك التماسك الحاصل بين المفردات والجمل المشكلة للنصّ، وهذا التماسك يتأتّى من خلال وسائل لغويّة تصل بين العناصر المشكلة للنص ، وهذه الوسائل اللغوية حققت الاتساق التركيبي والدلالي بين عناصر النص.
الاتساق التركيبي:ويتحقق بوسائل لغوية كالوصل الذي يكون بأدوات الربط (و ـ أو ـ ف ـ ثم...) والأسماء الموصولة(الذي ـ التي ـ الذين ...) وحروف التفسير (أي ـ أعني ـ أقصد...) وتحقق الربط عبر عملية الوصل بين متواليات النص .
الاتساق الدلالي: ويتحقق بالإحالة وهي علاقة دلالية بين عنصر محيل وعنصر محال إليه وبهذا تكون إحالة قبلية عندما تحيل إلى ما سبق ، وإحالة بعدية عندما تحيل إلى العنصر اللاحق،كما تكون الإحالة مقامية عندما تحيل إلى عنصر خارج النص وإحالة مقالية أو نصية عندما تحيل إلى عنصر داخل النص.
ومن الوسائل اللغوية المعتمدة في الإحالة نجد الضمائر وأسماء الإشارة .
2- الانسجام
تعريف الانسجام ـ مبادئ الانسجام ـ عمليات بناء الانسجام
أمثلة الانطلاق:
"إن مؤرخي الآداب العرب ، وإن اتفقوا على القول بتأثير الوسط الاجتماعي في الأدب العربي الذي يظهر فيه ، لم يتفقوا على أي العوامل الاجتماعية يؤثر أكثر من غيره في الآداب ،فذهب زيدان والزيات إلى أن العامل السياسي هو المؤثر الأقوى في الأدب (...) ولكن طه حسين لم ير في ذلك رأيهما ، إذ العامل السياسي عنده لا يعدو أن يكون مؤثرا من بين مؤثرات أخرى عديدة في الأدب (...) وأما الرافعي فإن العامل السياسي عنده يؤثر في الأدب حينا ، ولا يؤثر فيه حينا آخر ."
حسين الواد " في تاريخ الأدب ـ مفاهيم ومناهج " المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ بيروت 1993 ط3 ص 76
- ملاحظة الأمثلة:
بقراءة النص يتبين أنه تحققت فيه شروط الاتساق تركيبيا ودلاليا ومعجميا عبر روابط ووسائل لغوية.
وبتمعن مضمونه نعرف أنه نص نقدي يتناول قضية تأثير الوسط الاجتماعي في الأدب العربي ،فمكونات النص تجمع بينها علاقات متينة يدركها المتلقي، ويستطيع تأويلها تأويلا مناسبا ،وهو ما يحقق انسجامنا مع النص .
وهذا الانسجام تم عبر عدة مستويات أو مبادئ وعلى رأسها:
مبدأ السياق : فعند قراءة النص عرفنا أنه نص نثري نقدي ويركز على قضية نقدية محددة وهي أي العوامل الاجتماعية أكثر تأثيرا في الأدب العربي.وهذا قربنا من النص وجعلنا ننسجم معه .
وهناك أيضا التأويل المحلي : ويتجلى ذلك من خلال قدرتنا على تأويل ما جاء في النص من مفردات تجمع بينها علاقات جعلتها منسجمة مع بعضها ومع القارئ فمؤرخي الأدب العربي نجد منهم في النص (طه حسين وأحمد الزيات وزيدان ثم الرافعي)وكلهم اهتموا بقضية تأثير الوسط الاجتماعي في الأدب العربي.
وبقراءة النص نجده يتشابه مع نصوص نقدية أخرى تهتم بالجانب الاجتماعي في الأدب العربي ،كالتي رأينا في درس النصوص ("علم اجتماع الأدب" ، لحميد لحمداني )،فتحقق الانسجام من خلال مبدأ التشابه.
وبقراءة النص نجده يتمحور حول تيمة مركزية تتكرر عبر النص وهي الأدب العربي محور الدراسة في النص وفيه تصب كل المحاور الجزئية المطروحة في النص ،فتحقق الانسجام عبر هذا المبدأ مبدأ التغريض (الكلمة المحور).
وبتتبع مبادئ الانسجام المحصلة نجد أنها تحققت عبر مجموعة من العمليات التي قربت بين النص والمتلقي وأول هذه العمليات المعرفة الخلفية ،وهي المخزون الفكري والثقافي الذي يجعلنا نفكك ونأول المفردات المختزلة في النص فنتعرف دلالاتها وأبعادها الفكرية (تاريخ الأدب ـ الوسط الاجتماعي ـ طه حسين ـ العامل السياسي ..).
وهذه المعرفة الخلفية تمكننا من تنظيم أفكار النص من العام إلى الخاص حسب الأهمية فالنص دراسة أدبية نقدية تهتم بتاريخ الأدب العربي ،واختلاف المؤرخين حول أي العوامل الاجتماعية يؤثر أكثر من غيره في الآداب ،وكل هذه الخطوات تمت عبر العملية التنظيمية.
خلاصة:
الانسجام في اللغة هو ضم الشيء إلى الشيء، و في الاصطلاح هو مجموع الآليات/ العمليات الظاهرة والخفية التي تجعل قارئ خطاب ما قادرا على فهمه وتأويله،وهناك مجموعة من المبادئ والعمليات التي تساهم في تحقيق الانسجام:
مبدأ السياق: ويتشكل من علاقة النص بالقارئ مما يمكنه من تحيد ظروف القضية وزمانها ومكانها ...
مبدأ التأويل المحلي : ويرتبط بقرائن النص التي يؤول بعضها بعضا ،فنعرف موضوع النص والعلاقات والقرائن التي تربط بين عناصره .
مبدأ التشابه: ويتم ذلك عبر تشابه النص مع نصوص أخرى في القضية التي يقاربها.
مبدأ التغريض: ويقصد به الموضوع الرئيسي/ [النواة الرئيسية] الذي يتمحور حوله الخطاب المدروس.
وهذه المبادئ ساهمت في تحققها عمليات أساسية ساهمت في بناء الانسجام منها:
ـ الخلفية المعرفية :وهي ما يحمله المتلقي من معلومات ومعارف تمكنه من التأويل والتفسير والتحليل .
ـ الخلفية التنظيمية : وهي ما نستحضره من تمثلات حول النص مرتبة بانتظام كتحديد مجال النص وجنسه ونمطه وخلفيته النظرية، مما يساعد على فهم النص والانسجام مع معطياته.